فصل: باب انفضاض العدد في أثناء الصلاة أو الخطبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب المنع من الكلام والإمام يخطب والرخصة في تكلمه وتكليمه لمصلحة وفي الكلام قبل أخذه في الخطبة وبعد إتمامها

1 - عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا ابن ماجه‏.‏

2 - وعن علي رضي اللَّه تعالى عنه في حديث له قال‏:‏ ‏(‏من دنا من الإمام فلغا ولم يستمع ولم ينصت كان عليه كفل من الوزر ومن قال صه فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له ثم قال هكذا سمعت نبيكم صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

3 - وعن ابن عباس رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل حمار يحمل أسفارًا والذي يقول له أنصت ليس له جمعة‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

4 - وعن أبي الدرداء رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏جلس النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يومًا على المنبر فخطب الناس وتلا آية وإلى جنبي أُبيِّ بن كعب فقلت له‏:‏ يا أُبيِّ متى نزلت هذه الآية فأبى أن يكلمني ثم سألته فأبى أن يكلمني حتى نزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال له أُبيِّ‏:‏ ما لك من جمعتك إلا ما لغيت فلما انصرف رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم جئته فأخبرته فقال‏:‏ صدق أُبيِّ فإذا سمعت إمامك يتكلم فأنصت حتى يفرغ‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث علي في إسناده رجل مجهول لأن عطاء الخراساني رواه عن مولى امرأته أم عثمان قالت‏:‏ سمعت عليًا الحديث‏.‏ وعطاء الخراساني وثقه يحيى بن معين وأثنى عليه وتكلم فيه ابن حبان وكذبه سعيد بن المسيب‏.‏ وحديث ابن عباس أخرجه أيضًا ابن أبي شيبة في المصنف والبزار في مسنده والطبراني في الكبير وفي إسناده مجالد بن سعيد وقد ضعفه الجمهور‏.‏ وقال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ لا بأس بإسناده‏.‏

وحديث أبي الدرداء أخرجه أيضًا الطبراني من رواية شريك بن عبد اللَّه بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أبي الدرداء‏.‏

وروي أيضًا من رواية عبد اللَّه بن سعد عن حرب بن قيس عن أبي الدرداء‏.‏ قال في مجمع الزوائد‏:‏ ورجال أحمد ثقات‏.‏ ويشهد له ما أخرجه أبو يعلى والطبراني عن جابر قال‏:‏ ‏(‏دخل ابن مسعود والنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب فجلس إلى جنبه أُبيِّ‏)‏ فذكر نحو حديث أبي الدرداء‏.‏ قال العراقي‏:‏ ورجاله ثقات ويشهد له أيضًا ما رواه الطبراني عن أبي ذر بنحو حديث أبي الدرداء المذكور في الباب‏.‏

وعن ابن أبي أوفى عند ابن أبي شيبة في المصنف قال‏:‏ ‏(‏ثلاث من سلم منهن غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى من أن يحدث حدثًا يعني أذى أو أن يتكلم أو أن يقول صه‏)‏ قال العراقي‏:‏ ورجاله ثقات قال‏:‏ وهذا وإن كان موقوفًا فمثله لا يقال من قبل الرأي فحكمه الرفع كما قاله ابن عبد البر وغيره فيما كان من هذا القبيل‏.‏

ولابن أبي أوفى حديث آخر مرفوع عند النسائي قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة‏)‏ وعن جابر عند ابن أبي شيبة أيضًا في المصنف قال‏:‏ قال سعد لرجل يوم الجمعة لا جمعة لك فذكر ذلك للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ‏(‏لم يا سعد قال‏:‏ إنه يتكلم وأنت تخطب قال‏:‏ صدق سعد‏)‏ يعني ابن أبي وقاص‏.‏

ورواه أيضًا أبو يعلى والبزار وفي إسناده مجالد بن سعيد وهو ضعيف عند الجمهور كما تقدم‏.‏

وعن عبد اللَّه بن عمر عند أبي داود‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ يحضر الجمعة ثلاثة نفر فرجل حضرها يلغو فهو حظه منها ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا اللَّه إن شاء أعطاه وإن شاء منعه ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدًا فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام‏)‏ قال العراقي‏:‏ وإسناده جيد‏.‏

وعن ابن مسعود عند ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في الكبير قال‏:‏ ‏(‏كفى لغوًا إذا صعد الإمام المنبر أن تقول لصاحبك أنصت‏)‏ قال العراقي‏:‏ ورجاله ثقات محتج بهم في الصحيح قال‏:‏ وهو وإن كان موقوفًا فمثله لا يقال من قبل الرأي فحكمه الرفع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنصت‏)‏ قال الأزهري‏:‏ يقال أنصت ونصت وانتصت‏.‏ قال ابن خزيمة‏:‏ والمراد بالإنصات السكوت عن مكالمة الناس دون ذكر اللَّه تعالى‏.‏ وتعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة والظاهر أن المراد السكوت مطلقًا قاله في الفتح وهو ظاهر الأحاديث فلا يجوز من الكلام إلا ما خصه دليل كصلاة التحية نعم الأمر بالصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عند ذكره يعم جميع الأوقات والنهي عن الكلام حال الخطبة يعم كل كلام فيتعارض العمومات ولكنه يرجح مشروعية الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم عند ذكره حال الخطبة ما سيأتي في تفسير اللغو من اختصاصه بالكلام الباطل الذي لا أصل له لولا ما سيأتي من الأدلة القاضية بالتعميم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والإمام يخطب‏)‏ فيه دليل على اختصاص النهي بحال الخطبة ورد على من أوجب الإنصات من خروج الإمام‏.‏ وكذلك قوله يوم الجمعة ظاهره أن الإنصات في خطبة غير يوم الجمعة لا يجب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد لغوت‏)‏ قال في الفتح‏:‏ قال الأخفش اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه‏.‏ وقال ابن عرفة‏:‏ اللغو السقط من القول‏.‏ وقيل الميل عن الصواب‏.‏ وقيل اللغو الإثم لقوله تعالى ‏{‏وإذا مروا باللغو مروا كرامًا‏}‏ وقال الزين ابن المنير‏:‏ اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام وأغرب أبو عبيد الهروي في الغريب فقال‏:‏ معنى لغا تكلم والصواب التقييد‏.‏ وقال النضر بن شميل‏:‏ معنى لغوت خبت من الأجر‏.‏ وقيل بطلت فضيلة جمعتك وقيل صارت جمعتك ظهرًا‏.‏ قلت‏:‏ أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى انتهى كلام الفتح‏.‏

وفي القاموس اللغو السقط وما لا يعتد به من كلام أو غيره انتهى‏.‏

ويؤيد قول من قال إن اللغو صيرورة الجمعة ظهرًا ما عند أبي داود وابن خزيمة من حديث ابن عمرو بن العاص مرفوعًا بلفظ‏:‏ ‏(‏من لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرًا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا جمعة له‏)‏ قال العلماء معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا‏)‏ شبه من لم يمسك عن الكلام بالحمار الحامل للأسفار بجامع عدم الانتفاع‏.‏

وظاهر قوله‏:‏ ‏(‏من تكلم يوم الجمعة‏)‏ المنع من جميع أنواع الكلام من غير فرق بين ما لا فائدة فيه وغيره‏.‏ ومثله حديث جابر الذي تقدم وكذلك حديث أُبيِّ لإطلاق الكلام فيهما‏.‏

ويؤيده أنه إذا جعل قوله أنصت مع كونه أمرًا بمعروف لغوًا فغيره من الكلام أولى بأن يسمى لغوًا‏.‏ وقد وقع عند أحمد بعد قوله فقد لغوت عليك بنفسك ويؤيد ذلك أيضًا ما تقدم من تسمية السؤال عن نزول الآية لغوًا وقد ذهب إلى تحريم كل كلام حال الخطبة الجمهور ولكن قيد ذلك بعضهم بالسامع للخطبة والأكثر لم يقيدوا قالوا وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات للخطبة على من سمعها إلا عن قليل من التابعين منهم الشعبي وتعقبه بأن للشافعي قولين وكذلك لأحمد وروي عنهما التفرقة بين من سمع الخطبة ومن لم يسمعها‏.‏ ولبعض الشافعية التفرقة بين من تنعقد بهم الجمعة فيجب عليهم الإنصات وبين من زاد عليهم فلا يجب‏.‏

وقد حكى المهدي في البحر عن القاسم وابنه محمد بن القاسم والمرتضى ومحمد بن الحسن أنه يجوز الكلام الخفيف حال الخطبة واستدلوا على ذلك بتقرير النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لمن سأله عن الساعة ولمن سأله في الاستسقاء ورد بأن الدليل أخص من الدعوى وغاية ما فيه أن يكون عموم الأمر بالإنصات مخصصًا بالسؤال‏.‏

ونقل صاحب المغني الاتفاق على أن الكلام الذي يجوز في الصلاة يجوز في الخطبة كتحذير الضرير من البئر ونحوه‏.‏ وخصص بعضهم رد السلام وهو أعم من أحاديث الباب من وجه وأخص من وجه فتخصيص أحدهما بالآخر تحكم ومثله تشميت العاطس‏.‏ وقد حكى الترمذي عن أحمد وإسحاق الترخيص في رد السلام وتشميت العاطس‏.‏ وحكى عن الشافعي خلاف ذلك‏.‏ وحكى ابن العربي عن الشافعي موافقة أحمد وإسحاق‏.‏ قال العراقي‏:‏ وهو أولى مما نقله عنه الترمذي‏.‏ وقد صرح الشافعي في مختصر البويطي بالجواز فقال‏:‏ ولو عطس رجل يوم الجمعة فشمته رجل رجوت أن يسعه لأن التشميت سنة ولو سلم رجل على رجل كرهت ذلك له ورأيت أن يرد عليه لأن السلام سنة ورده فرض هذا لفظه‏.‏

وقال النووي في شرح المهذب‏:‏ إنه الأصح‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وقد استثني من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كلام لم يشرع في الخطبة مثل الدعاء للسلطان مثلًا بل جزم صاحب التهذيب بأن الدعاء للسلطان مكروه‏.‏ وقال النووي‏:‏ محله إذا جاوز وإلا فالدعاء لولاة الأمر مطلوب‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ومحل الترك إذا لم يخف الضرر وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا ما لغيت‏)‏ بفتح اللام وبكسر الغين المعجمة لغة في لغوت‏.‏

5 - وعن بريدة رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطبنا فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال‏:‏ صدق اللَّه ورسوله إنما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما‏)‏‏.‏

رواه الخمسة‏.‏

6 - وعن أنس رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ينزل من المنبر يوم الجمعة فيكلمه الرجل في الحاجة ويكلمه ثم يتقدم إلى مصلاه فيصلي‏)‏‏.‏

رواه الخمسة‏.‏

7 - وعن ثعلبة بن أبي مالك رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر جالس على المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتى يقضي الخطبتين كلتيهما فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا‏)‏‏.‏

رواه الشافعي في مسنده وسنذكر سؤال الأعرابي النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الاستسقاء في خطبة الجمعة‏.‏

حديث بريدة قال الترمذي‏:‏ حسن غريب إنما نعرفه من حديث الحسين بن واقد انتهى‏.‏ والحسين المذكور هو أبو علي قاضي مرو احتج به مسلم في صحيحه‏.‏ وقال المنذري‏:‏ ثقة‏.‏ وحديث أنس قال الترمذي‏:‏ هذا حديث لا يعرف إلا من حديث جرير ابن حازم وسمعت محمدًا يعني البخاري يقول‏:‏ وهم جرير بن حازم في هذا الحديث والصحيح ما روى ثابت عن أنس قال‏:‏ ‏(‏أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فما زال يكلمه حتى نعس بعض القوم‏)‏ قال محمد‏:‏ والحديث هو هذا وجرير بن حازم ربما يهم في الشيء وهو صدوق انتهى كلام الترمذي‏.‏ وقال أبو داود‏:‏ الحديث ليس بمعروف وهو مما تفرد به جرير بن حازم‏.‏ وقال الدارقطني‏:‏ تفرد به جرير بن حازم عن ثابت‏.‏ قال العراقي‏:‏ ما أعل به البخاري وأبو داود الحديث من أن الصحيح كلام الرجل له بعد ما أقيمت الصلاة لا يقدح ذلك في صحة حديث جرير بن حازم بل الجمع بينهما ممكن بأن يكون المراد بعد إقامة صلاة الجمعة وبعد نزوله من المنبر فليس الجمع بينهما متعذرًا كيف وجرير بن حازم أحد الثقات المخرج لهم في الصحيح فلا تضر زيادته في كلام الرجل له إنه كان بعد نزوله عن المنبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنزل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ فيه جواز الكلام في الخطبة للأمر يحدث‏.‏ وقال بعض الفقهاء‏:‏ إذا تكلم أعاد الخطبة قال الخطابي‏:‏ والسنة أولى ما اتبع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيكلمه الرجل في الحاجة ويكلمه‏)‏ فيه أنه لا بأس بالكلام بعد فراغ الخطيب من الخطبة وأنه لا يحرم ولا يكره ونقله ابن قدامة في المغني عن عطاء وطاوس والزهري وبكر المزني والنخعي ومالك والشافعي وإسحاق ويعقوب ومحمد قال‏:‏ وروي ذلك عن ابن عمر انتهى‏.‏

وإلى ذلك ذهبت الهادوية‏.‏ وروي عن أبي حنيفة أنه يكره الكلام بعد الخطبة قال ابن العربي‏:‏ والأصح عندي أن لا يتكلم بعد الخطبة لأن مسلمًا قد روى أن الساعة التي في يوم الجمعة هي من حين يجلس الإمام على المنبر إلى أن تقام الصلاة فينبغي أن يتجرد للذكر والتضرع والذي في مسلم أنها ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة‏.‏ ومما يرجح ترك الكلام بين الخطبة والصلاة الأحاديث الواردة في الإنصات حتى تنقضي الصلاة كما عند النسائي بإسناد جيد من حديث سلمان بلفظ‏:‏ ‏(‏فينصت حتى يقضي صلاته‏)‏ وأحمد بإسناد صحيح من حديث نبيشة بلفظ‏:‏ ‏(‏فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته وكلامه‏)‏ وقد تقدما‏.‏ ويجمع بين الأحاديث بأن الكلام الجائز بعد الخطبة هو كلام الإمام لحاجة أو كلام الرجل للرجل لحاجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعمر جالس على المنبر‏)‏ فيه جواز الكلام حال قعود الإمام على المنبر قبل شروعه في الخطبة لأن ظهور ذلك بين الصحابة من دون نكير يدل على أنه إجماع لهم‏.‏

وروى أحمد بإسناد قال العراقي صحيح أن عثمان بن عفان كان وهو على المنبر والمؤذن يقيم يستخبر الناس عن أخبارهم وأسعارهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسنذكر سؤال الأعرابي‏)‏ الخ سيذكره المصنف في كتاب الاستسقاء‏.‏

 باب ما يقرأ به في صلاة الجمعة وفي صبح يومها

1 - عن عبد اللَّه بن أبي رافع رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏استخلف مروان أبا هريرة على المدينة وخرج إلى مكة فصلى لنا أبو هريرة يوم الجمعة فقرأ بعد سورة الجمعة في الركعة الآخرة ‏{‏إذا جاءك المنافقون‏}‏ فقلت له حين انصرف إنك قرأت سورتين كان علي بن أبي طالب يقرأ بهما في الكوفة فقال‏:‏ إني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ بهما في الجمعة‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي‏.‏

2 - وعن النعمان ابن بشير رضي اللَّه عنه وسأله الضحاك‏:‏ ‏(‏ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ يوم الجمعة على أثر سورة الجمعة قال‏:‏ كان يقرأ هل أتاك حديث الغاشية‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي‏.‏

3 - وعن النعمان بن بشير رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية قال‏:‏ وإذا اجتمع العيد والجمعة في يوم واحد يقرأ بهما في الصلاتين‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه‏.‏

4 - وعن سمرة بن جندب رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقرأ في الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وأبو داود‏.‏

حديث سمرة قال العراقي‏:‏ إسناده صحيح‏.‏ وفي الباب عن أبي عنبسة الخولاني عند ابن ماجه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقرأ في الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى وهل أتاك حديث الغاشية‏)‏ وفي إسناده سعيد بن سنان ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما‏.‏ وأخرجه أيضًا الطبراني في الكبير والبزار في مسنده‏.‏ وعن ابن عباس وسيأتي وقد استدل بأحاديث الباب على أن السنة أن يقرأ الإمام في صلاة الجمعة في الركعة الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين أو في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية‏.‏ أو في الأولى بالجمعة وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية‏.‏ قال العراقي‏:‏ والأفضل من هذه الكيفيات قراءة الجمعة في الأولى ثم المنافقين في الثانية كما نص عليه الشافعي فيما رواه عنه الربيع وقد ثبتت الأوجه الثلاثة التي قدمناها فلا وجه لتفضيل بعضها على بعض إلا أن الأحاديث التي فيها لفظ كان مشعرة بأنه فعل ذلك في أيام متعددة كما تقرر في الأصول‏.‏ وقال مالك‏:‏ إنه أدرك الناس يقرؤون في الأولى بالجمعة والثانية بسبح ولم يثبت ذلك في الأحاديث‏.‏

وقال الهادي والقاسم والناصر‏:‏ إنه يندب أن يقرأ في الجمعة مع الفاتحة سورة الجمعة في الأولى والمنافقين في الثانية أو سبح والغاشية‏.‏ وقال زيد بن علي‏:‏ في الأولى السجدة وفي الثانية الدهر‏.‏ وقال أبو حنيفة وأصحابه ورواه ابن أبي شيبة في المصنف عن الحسن البصري أنه يقرأ الإمام بما شاء‏.‏ وقال ابن عيينة ‏[‏في الأصل ‏"‏أبي عينية‏"‏، الصحيح ابن عينية كما هو في النص أعلاه‏.‏ نظام سبعة‏]‏‏:‏ إنه يكره أن يتعمد القراءة في الجمعة بما جاء عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لئلا يجعل ذلك من سننها وليس منها‏.‏

قال ابن العربي‏:‏ وهو مذهب ابن مسعود وقد قرأ فيها أبو بكر الصديق بالبقرة‏.‏ وحكى ابن عبد البر في الاستذكار عن أبي إسحاق المروزي مثل قول ابن عيينة‏.‏ وحكي عن ابن أبي هريرة مثله وخالفهم جمهور العلماء وممن خالفهم من الصحابة علي وأبو هريرة‏.‏ قال العراقي‏:‏ وهو قول مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وأبي ثور‏.‏

ـ والحكمة ـ في القراءة في الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم مما يقرأ في صلاة الجمعة بالجمعة فيحرض به المؤمنين وفي الثانية بسورة المنافقين فيفزع المنافقين‏)‏‏.‏

قال العراقي‏:‏ وفي إسناده من يحتاج إلى الكشف عنه‏.‏ قال الطبراني‏:‏ لم يروه عن أبي جعفر إلا منصور تفرد به عنه عمرو ابن أبي قيس‏.‏

وقد اختلف فيه على منصور فرفعه عنه عمرو بن أبي قيس وخالفه في إسناده جرير بن حازم وأعضله فرواه عن منصور عن إبراهيم عن الحكم عن أناس من أهل المدينة ‏.‏

5 - وعن ابن عباس رضي اللَّه عنهما‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقرأ يوم الجمعة في صلاة الصبح الم تنزيل وهل أتى على الإنسان وفي صلاة الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي‏.‏

6 - وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة الم تنزيل وهل أتى على الإنسان‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي وأبا داود ولكنه لهما من حديث ابن عباس‏.‏

وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص عند ابن ماجه قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة الم تنزيل وهل أتى على الإنسان‏)‏ وأورده ابن عدي في الكامل وفي إسناده الحارث بن شهاب وهو متروك الحديث‏.‏

وعن ابن مسعود عند ابن ماجه أيضًا‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة الم تنزيل وهل أتى‏)‏ وقد رواه الطبراني ورجاله ثقات‏.‏

وعن علي بن أبي طالب عليه السلام عند الطبراني في معجميه الصغير والأوسط بنحو الذي قبله وفي إسناده حفص بن سليمان الغاضري ضعفه الجمهور‏.‏

وهذه الأحاديث فيها مشروعية قراءة تنزيل السجدة وهل أتى على الإنسان‏.‏ قال العراقي‏:‏ وممن كان يفعله من الصحابة عبد اللَّه بن عباس‏.‏ ومن التابعين إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وهو مذهب الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث وكرهه مالك وآخرون‏.‏ قال النووي‏:‏ وهم محجوجون بهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة المروية من طرق‏.‏

واعتذر مالك عن ذلك بأن حديث أبي هريرة من طريق سعد بن إبراهيم وهو مردود أما أولًا فبأن سعد بن إبراهيم قد اتفق الأئمة على توثيقه‏.‏ قال العراقي‏:‏ ولم أر من نقل عن مالك تضعيفه غير ابن العربي ولعل الذي أوقعه في ذلك هو أن مالكًا لم يرو عنه‏.‏ قال ابن عبد البر‏:‏ وأما امتناع مالك عن الرواية عن سعد فلكونه طعن في نسب مالك‏.‏

وأما ثانيًا فغاية هذا الاعتذار سقوط الاستدلال بحديث أبي هريرة دون بقية أحاديث الباب‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ليس في شيء من الطرق التصريح بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم سجد لما قرأ سورة تنزيل في هذا المحل إلا في كتاب الشريعة لابن أبي داود من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏غدوت على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يوم الجمعة في صلاة الفجر فقرأ سورة فيها سجدة فسجد‏)‏ الحديث‏.‏ وفي إسناده من ينظر في حاله ‏.‏

وللطبراني في الصغير من حديث علي‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سجد في صلاة الصبح في تنزيل السجدة‏)‏ لكن في إسناده ضعف انتهى‏.‏

قال العراقي‏:‏ قد فعله عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وابن مسعود وابن عمر وعبد اللَّه بن الزبير وهو قول الشافعي وأحمد وقد كرهه في الفريضة من التابعين أبو مجلز وهو قول مالك وأبي حنيفة وبعض الحنابلة ومنعته الهادوية وقد قدمنا بعض حجج الفريقين في أبواب سجود التلاوة‏.‏ وقد اختلف القائلون باستحباب قراءة الم تنزيل السجدة في يوم الجمعة هل للإمام أن يقرأ بدلها سورة أخرى فيها سجدة فيسجد فيها أو يمتنع ذلك فروى ابن أبي شيبة في المصنف عن إبراهيم النخعي قال‏:‏ كان يستحب أن يقرأ يوم الجمعة بسورة فيها سجدة وروي أيضًا عن ابن عباس‏.‏ وقال ابن سيرين‏:‏ لا أعلم به بأسًا قال النووي في الروضة من زوائده‏:‏ لو أراد أن يقرأ آية أو آيتين فيهما سجدة لغرض السجود فقط لم أر فيه كلامًا لأصحابنا قال‏:‏ وفي كراهته خلاف للسلف‏.‏

وأفتى الشيخ ابن عبد السلام بالمنع من ذلك وبطلان الصلاة به‏.‏ وروى ابن أبي شيبة عن أبي العالية والشعبي كراهة اختصار السجود‏.‏ زاد الشعبي‏:‏ وكانوا يكرهون إذا أتوا على السجدة أن يجاوزوها حتى يسجدوا‏.‏ وكره اختصار السجود ابن سيرين‏.‏ وعن إبراهيم النخعي أنهم كانوا يكرهون أن تختصر السجدة‏.‏ وعن الحسن أنه كره ذلك‏.‏ وروي عن سعيد بن المسيب وشهر بن حوشب أن اختصار السجود مما أحدث الناس وهو أن يجمع الآيات التي فيها السجود فيقرأها ويسجد فيها‏.‏ وقيل اختصار السجود أن يقرأ القرآن إلا آيات السجود فيحذفها وكلاهما مكروه لأنه لم يرد عن السلف‏.‏

 باب انفضاض العدد في أثناء الصلاة أو الخطبة

1 - عن جابر رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يخطب قائمًا يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلًا فأنزلت هذه الآية التي في الجمعة ‏{‏وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها وتركوك قائمًا‏}‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏أقبلت عير ونحن نصلي مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم الجمعة فانفض الناس إلا اثني عشر رجلًا فنزلت هذه الآية ‏{‏وإذا رأوا تجارة أو لهوًا انفضوا إليها وتركوك قائمًا‏}‏‏)‏ رواه أحمد والبخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يخطب قائمًا‏)‏ ظاهره أن الانفضاض وقع حال الخطبة وظاهر قوله في الرواية الأخرى ‏(‏ونحن نصلي مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم‏)‏ أن الانفضاض وقع بعد دخولهم في الصلاة‏.‏ ويؤيد الرواية الأولى ما عند أبي عوانة من طريق عباد بن العوام وعند ابن حميد من طريق سليمان بن كثير كلاهما عن حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بلفظ ‏(‏يخطب‏)‏ وكذا وقع في حديث ابن عباس عند البزار‏.‏ وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط‏.‏ وفي مرسل قتادة عند الطبراني وغيره وعلى هذا فقوله ‏(‏نصلي‏)‏ أي ننتظر وكذا يحمل قوله ‏(‏بينما نحن مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الصلاة‏)‏ كما وقع في مستخرج أبي نعيم على أن المراد بقوله في الصلاة أي في الخطبة وهو من تسمية الشيء باسم ما يقارنه وبهذا يجمع بين الروايات‏.‏ ويؤيده استدلال ابن مسعود على القيام في الخطبة بالآية المذكورة كما أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح‏.‏ وكذلك استدلال كعب بن عجرة كما في صحيح مسلم على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاءت عير من الشام‏)‏ العير بكسر العين الإبل التي تحمل التجارة طعامًا كانت أو غيره وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها ولابن مردويه عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏جاءت عير لعبد الرحمن بن عوف‏)‏ ووقع عند الطبراني عن أبي مالك أن الذي قدم بها من الشام دحية بن خليفة الكلبي وكذلك في حديث ابن عباس عند البزار وجمع بين الروايتين بأن التجارة كانت لعبد الرحمن وكان دحية السفير فيها أو كان مقارضًا‏.‏ ووقع في رواية ابن وهب عن الليث أنها كانت لوبرة الكلبي ويجمع بأنه كان رفيق دحية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانفتل الناس إليها‏)‏ وفي الرواية الأخرى ‏(‏فانفض الناس إليها‏)‏ وهو موافق للفظ القرآن‏.‏ وفي رواية للبخاري ‏(‏فالتفتوا إليها‏)‏ والمراد بالانفتال والالتفات الانصراف يدل على ذلك رواية فانفض‏.‏ وفيه رد على من حمل الالتفات على ظاهره وقال لا يفهم منه الانصراف عن الصلاة وقطعها وإنما يفهم منه التفاتهم بوجوههم أو بقلوبهم وأيضًا لو كان الالتفات على ظاهره لما وقع الإنكار الشديد لأنه لا ينافي الاستماع للخطبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا اثنا عشر رجلًا‏)‏ قال الكرماني‏:‏ ليس هذا الاستثناء مفرغًا فيجب رفعه بل هو من ضمير لم يبق العائد إلى الناس فيجوز فيه الرفع والنصب قال‏:‏ وثبت الرفع في بعض الروايات‏.‏ ووقع عند الطبراني‏:‏ ‏(‏إلا أربعين رجلًا‏)‏ وقال‏:‏ تفرد به علي بن عاصم وهو ضعيف الحفظ وخالفه أصحاب حصين كلهم‏.‏ ووقع عند ابن مردويه من رواية ابن عباس وسبع نسوة بعد قوله إلا اثنا عشر رجلًا وفي تفسير إسماعيل بن زياد الشامي وامرأتان وقد سمى من الجماعة الذين لم ينفضوا أبو بكر وعمر عند مسلم‏.‏

وفي رواية له أن جابرًا قال أنا فيهم وفي تفسير الشامي أن سالمًا مولى أبي حذيفة منهم‏.‏ وروى العقيلي عن ابن عباس أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناسًا من الأنصار وروى السهيلي بسند منقطع أن الاثني عشر هم العشرة المبشرة بالجنة وبلال وابن مسعود‏.‏ قال‏:‏ وفي رواية عمار بدل ابن مسعود‏.‏ قال في الفتح‏:‏ ورواية العقيلي أقوى وأشبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأنزلت هذه الآية‏)‏ ظاهر في أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة ‏[‏ما ذكره الشارح رحمه اللَّه من كون هذه الآية الظاهر فيها أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة ذكره الحافظ في الفتح‏.‏ وفي دعوى الظهور نظر بل الظاهر أنها نزلت بسبب انفضاض الناس إلى العير المذكورة والتفاتهم إليها والإعراض عن الصلاة فنزلت الآية تلوم عليهم فعلهم هذا واستشكال الأصيلي حديث الباب يجاب عنه بأن من فعل ذلك كان حديث عهد الإسلام‏.‏ واللَّه أعلم‏]‏ والمراد باللهو على هذا ما ينشأ من رؤية القادمين وما معهم‏.‏ ووقع عند الشافعي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلًا‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يخطب يوم الجمعة وكان لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليه الخيل والإبل والسمن فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوه قائمًا وكان لهم لهو يضربونه فنزلت‏)‏ ووصله أبو عوانة في صحيحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انفضوا إليها‏)‏ قيل النكتة في عود الضمير إلى التجارة دون اللهو أن اللهو لم يكن مقصودًا وإنما كان تبعًا للتجارة‏.‏ وقيل حذف ضمير أحدهما لدلالة الآخر عليه‏.‏ وقال الزجاج‏:‏ أعيد الضمير إلى المعنى أي انفضوا إلى الرؤية‏.‏

والحديث استدل به من قال أن عدد الجمعة اثنا عشر رجلًا وقد تقدم بسط الكلام في ذلك وقد استشكل الأصيلي حديث الباب فقال‏:‏ إن اللَّه تعالى قد وصف أصحاب محمد صلى اللَّه عليه وآله وسلم بأنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللَّه ثم أجاب باحتمال أن يكون هذا الحديث قبل نزول الآية‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا الذي يتعين المصير إليه مع أنه ليس في آية النور التصريح بنزولها في الصحابة وعلى تقدير ذلك فلم يكن تقدم لهم نهي عن ذلك فلما نزلت آية الجمعة وفهموا منها ذم ذلك اجتنبوه فوصفوا بعد ذلك بما في آية النور‏.‏

 باب الصلاة بعد الجمعة

1 - وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

2 - وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يصلي بعد الجمعة ركعتين في بيته‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

3 - وعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما‏:‏ ‏(‏أنه كان إذا كان بمكة فصلى الجمعة تقدم فصلى ركعتين ثم تقدم فصلى أربعًا وإذا كان بالمدينة صلى الجمعة ثم رجع إلى بيته فصلى ركعتين ولم يصل في المسجد فقيل له في ذلك فقال‏:‏ كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يفعل ذلك‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

حديث ابن عمر الآخر سكت عنه أبو داود والمنذري وقال العراقي‏:‏ إسناده صحيح وفي الباب عن ابن عباس عند الطبراني‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يصلي بعد الجمعة أربعًا‏)‏ وفي إسناده مبشر بن عبيد وهو ضعيف جدًا‏.‏ وفي السند ضعفاء غيره عن ابن مسعود عند الترمذي موقوفًا عليه‏:‏ ‏(‏أنه كان يصلي قبل الجمعة أربعًا وبعدها أربعًا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها‏)‏ الخ لفظ أبي داود والترمذي وهو أحد ألفاظ مسلم‏:‏ ‏(‏من كان منكم مصليًا بعد الجمعة فليصل أربعًا‏)‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ نبه بقوله من كان منكم مصليًا على أنها سنة ليست بواجبة وذكر الأربع لفضلها وفعل الركعتين في أوقات بيانًا لأن أقلها ركعتان قال‏:‏ ومعلوم أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يصلي في أكثر الأوقات أربعًا لأنه أمرنا بهن وجئنا عليهن‏.‏

قال العراقي‏:‏ وما ادعى من أنه معلوم فيه نظر بل ليس ذلك بمعلوم ولا مظنون لأن الذي صح عنه صلاة ركعتين في بيته ولا يلزم من كونه أمر به أن يفعله وكون ابن عمر بن الخطاب كان يصلي بمكة بعد الجمعة ركعتين ثم أربعًا وإذا كان بالمدينة صلى بعدها ركعتين في بيته فقيل له فقال‏:‏ كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يفعل ذلك فليس في ذلك علم ولا ظن أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يفعل بمكة ذلك وإنما أراد رفع فعله بالمدينة فحسب لأنه لم يصح أنه صلى الجمعة بمكة وعلى تقدير وقوعه بمكة منه فليس ذلك في أكثر الأوقات بل نادرًا وربما كانت الخصائص في حقه بالتخفيف في بعض الأوقات فإنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش‏)‏ الحديث‏.‏ فربما لحقه تعب من ذلك فاقتصر على الركعتين في بيته وكان يطيلهما كما ثبت في رواية النسائي وأفضل الصلاة طول القنوت أي القيام فلعلها كانت أطول من أربع ركعات خفاف أو متوسطات انتهى‏.‏

ـ والحاصل ـ أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أمر الأمة أمرًا مختصًا بهم بصلاة أربع ركعات بعد الجمعة وأطلق ذلك ولم يقيده بكونها في البيت واقتصاره صلى اللَّه عليه وآله وسلم على ركعتين كما في حديث ابن عمر لا ينافي مشروعية الأربع لما تقرر في الأصول من عدم المعارضة بين قوله الخاص بالأمة وفعله الذي لم يقترن بدليل خاص يدل على التأسي به فيه وذلك لأن تخصيصه للأمة بالأمر يكون مخصصًا لأدلة التأسي العامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ركعتين في بيته‏)‏ استدل به على أن سنة الجمعة ركعتان‏.‏ وممن فعل ذلك عمران بن حصين وقد حكاه الترمذي عن الشافعي وأحمد‏.‏ قال العراقي‏:‏ لم يرد الشافعي وأحمد بذلك إلا بيان أقل ما يستحب وإلا فقد استحبا أكثر من ذلك فنص الشافعي في الأم على أنه يصلي بعد الجمعة أربع ركعات ذكره في باب صلاة الجمعة والعيدين‏.‏ ونقل ابن قدامة عن أحمد أنه قال‏:‏ إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين وإن شاء صلى أربعًا وفي رواية عنه‏:‏ وإن شاء ستًا‏.‏ وكان ابن مسعود والنخعي وأصحاب الرأي يرون أن يصلي بعدها أربعًا لحديث أبي هريرة‏.‏

وعن علي عليه السلام وأبي موسى وعطاء ومجاهد وحميد بن عبد الرحمن والثوري أنه يصلي ستًا لحديث ابن عمر المذكور في الباب‏.‏

ـ وقد اختلف ـ في الأربع الركعات هل تكون متصلة بتسليم في آخرها أو يفصل بين كل ركعتين بتسليم فذهب إلى الأول أهل الرأي وإسحاق بن راهويه وهو ظاهر حديث أبي هريرة وذهب إلى الثاني الشافعي والجمهور كما قال العراقي واستدلوا بقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم ‏(‏صلاة النهار مثنى مثنى‏)‏ أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه وقد تقدم والظاهر القول الأول لأن دليله خاص ودليل القول الآخر عام وبناء العام على الخاص واجب‏.‏

قال أبو عبد اللَّه المازري وابن العربي‏:‏ إن أمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم لمن يصلي بعد الجمعة بأربع لئلا يخطر على بال جاهل أنه صلى ركعتين لتكملة الجمعة أو لئلا يتطرق أهل البدع إلى صلاتها ظهرًا أربعًا‏.‏

ـ واختلف ـ أيضًا هل الأفضل فعل سنة الجمعة في البيت أو في المسجد فذهب إلى الأول الشافعي ومالك وأحمد وغيرهم واستدلوا بقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة‏)‏ وأما صلاة ابن عمر في مسجد مكة فقيل لعله كان يريد التأخر في مسجد مكة للطواف بالبيت فيكره أن يفوته بمضيه إلى منزله لصلاة سنة الجمعة أو أنه يشق عليه الذهاب إلى منزله ثم الرجوع إلى المسجد للطواف أو أنه كان يرى النوافل تضاعف بمسجد مكة دون بقية مكة أو كان له أمر متعلق به ‏.‏

 باب ما جاء في اجتماع العيد والجمعة

1 - عن زيد بن أرقم رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏وسأله معاوية هل شهدت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم عيدين اجتمعا قال‏:‏ نعم صلى العيد أول النهار ثم رخص في الجمعة فقال‏:‏ من شاء أن يجمع فليجمع‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏

2 - وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون‏)‏‏.‏

رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏

3 - وعن وهب بن كيسان رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخر الخروج حتى تعالى النهار ثم خرج فخطب ثم نزل فصلى ولم يصل للناس يوم الجمعة فذكرت ذلك لابن عباس فقال‏:‏ أصاب السنة‏)‏‏.‏

رواه النسائي وأبو داود بنحوه لكن من رواية عطاء‏.‏ ولأبي داود أيضًا عن عطاء قال‏:‏ ‏(‏اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر على عهد ابن الزبير فقال‏:‏ عيدان اجتمعا في يوم واحد فجمعهما جميعًا فصلاهما ركعتين بكرة لم يزد عليهما حتى صلى العصر‏)‏‏.‏

حديث زيد بن أرقم أخرجه أيضًا النسائي والحاكم وصححه علي بن المديني وفي إسناده إياس بن أبي رملة وهو مجهول‏.‏

وحديث أبي هريرة أخرجه أيضًا الحاكم وفي إسناده بقية بن الوليد وقد صحح أحمد بن حنبل والدارقطني إرساله ورواه البيهقي موصولًا مقيدًا بأهل العوالي وإسناده ضعيف وفعل ابن الزبير وقول ابن عباس أصاب السنة رجاله رجال الصحيح‏.‏ وحديث عطاء رجاله رجال الصحيح‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس عند ابن ماجه قال الحافظ‏:‏ وهو وهم منه نبه عليه هو‏.‏ وعن ابن عمر عند ابن ماجه أيضًا وإسناده ضعيف‏.‏ ورواه الطبراني من وجه آخر عن ابن عمر ورواه البخاري من قول ابن عثمان‏.‏ ورواه الحاكم من قول ابن الخطاب كذا قال الحافظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم رخص في الجمعة‏)‏ الخ فيه أن صلاة الجمعة في يوم العيد يجوز تركها وظاهر الحديثين عدم الفرق بين من صلى العيد ومن لم يصل وبين الإمام وغيره لأن قوله لمن شاء يدل على أن الرخصة تعم كل أحد وقد ذهب الهادي والناصر والأخوان إلى أن صلاة الجمعة تكون رخصة لغير الإمام وثلاثة واستدلوا بقوله في حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏وإنا مجمعون‏)‏ وفيه أن مجرد هذا الإخبار لا يصلح للاستدلال به على المدعى أعني الوجوب ويدل على عدم الوجوب أن الترخيص عام لكل أحد ترك ابن الزبير للجمعة وهو الإمام إذ ذاك‏.‏ وقول ابن عباس أصاب السنة رجاله رجال الصحيح وعدم الإنكار عليه من أحد من الصحابة‏.‏

وأيضًا لو كانت الجمعة واجبة على البعض لكانت فرض كفاية وهو خلاف معنى الرخصة وحكى في البحر عن الشافعي في أحد قوليه وأكثر الفقهاء أنه لا ترخيص لأن دليل وجوبها لم يفصل‏.‏ وأحاديث الباب ترد عليهم‏.‏ وحكى عن الشافعي أيضًا أن الترخيص يختص بمن كان خارج المصر واستدل له بقول عثمان‏:‏ من أراد من أهل العوالي أن يصلي معنا الجمعة فليصل ومن أحب أن ينصرف فليفعل‏.‏ ورده بأن قول عثمان لا يخصص قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يزد عليهما حتى صلى العصر‏)‏ ظاهره أنه لم يصل الظهر وفيه أن الجمعة إذا سقطت بوجه من الوجوه المسوغة لم يجب على من سقطت عنه أن يصلي الظهر وإليه ذهب عطاء حكي ذلك عنه في البحر والظاهر أنه يقول بذلك القائلون بأن الجمعة الأصل وأنت خبير بأن الذي افترضه اللَّه تعالى على عباده في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة فإيجاب صلاة الظهر على من تركها لعذر أو لغير عذر محتاج إلى دليل ولا دليل يصلح للتمسك به على ذلك فيما أعلم‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه تعالى بعد أن ساق الرواية المتقدمة عن ابن الزبير‏:‏ قلت إنما وجه هذا أنه رأى تقدمة الجمعة قبل الزوال فقدمها واجتزأ بها عن العيد انتهى‏.‏ ولا يخفى ما في هذا الوجه من التعسف‏.‏

 كتاب العيدين

العيد مشتق من العود فكل عيد يعود بالسرور وإنما جمع على أعياد بالياء للفرق بينه وبين أعواد الخشب وقيل غير ذلك‏.‏ وقيل أصله عود بكسر العين وسكون الواو فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها مثل ميعاد وميقات وميزان‏.‏ قال الخليل‏:‏ وكل يوم مجمع كأنهم عادوا إليه‏.‏ وقال ابن الأنباري‏:‏ يسمى عيدًا للعود في الفرح والمرح‏.‏ وقيل سمي عيدًا لأن كل إنسان يعود فيه إلى قدر منزلته فهذا يضيف وهذا يضاف‏.‏ وهذا يَرحم وهذا يُرحم وقيل سمي عيدًا لشرفه من العيد وهو محل كريم مشهور في العرب تنسب إليه الإبل العيدية ‏.‏

 باب التجمل للعيد وكراهة حمل السلاح فيه إلا لحاجة

1 - عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما قال‏:‏ ‏(‏وجد عمر حلة من إستبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللَّه ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفد فقال‏:‏ إنما هذه لباس من لا خلاق له‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رضي اللَّه تعالى عنهما‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يلبس برد حبرة في كل عيد‏)‏‏.‏

رواه الشافعي‏.‏

3 - وعن سعيد بن جبير رضي اللَّه عنه قال‏:‏ ‏(‏كنت مع ابن عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه فلزقت قدمه بالركاب فنزلت فنزعتها وذلك بمنى فبلغ الحجاج فجاء يعوده فقال الحجاج‏:‏ لو نعلم من أصابك‏.‏ فقال ابن عمر‏:‏ أنت أصبتني‏.‏ قال‏:‏ وكيف‏.‏ قال‏:‏ حملت السلاح في يوم لم يكن يحمل فيه وأدخلت السلاح الحرم ولم يكن السلاح يدخل الحرم‏)‏‏.‏

رواه البخاري وقال‏:‏ قال الحسن‏:‏ نهوا أن يحملوا السلاح يوم عيد إلا أن يخافوا عدوًا‏.‏

حديث جعفر بن محمد رواه الشافعي عن شيخه إبراهيم بن محمد عن جعفر وإبراهيم بن محمد المذكور لا يحتج بما تفرد به ولكنه قد تابعه سعيد بن الصلت عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن ابن عباس به كذا أخرجه الطبراني‏.‏ قال الحافظ‏:‏ فظهر أن إبراهيم لم يتفرد به وأن رواية إبراهيم مرسلة‏.‏

وفي الباب عن جابر عند ابن خزيمة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يلبس برده الأحمر في العيدين وفي الجمعة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من إستبرق‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏رأى حلة سيراء‏)‏ والإستبرق ما غلظ من الديباج والسيراء قد تقدم الكلام عليه في اللباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابتع هذه فتجمل‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏ابتع هذه تجمل بها‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ابتع هذه وتجمل‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏للعيد والوفد‏)‏ في لفظ للبخاري للجمعة مكان العيد‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وكلاهما صحيح وكان ابن عمر ذكرهما معًا فاقتصر كل راو على أحدهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما هذه لباس من لا خلاق له‏)‏ الخلاق النصيب‏.‏ وفيه دليل على تحريم لبس الحرير وقد تقدم بسط الكلام على ذلك في اللباس‏.‏ ووجه الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية التجمل للعيد تقريره صلى اللَّه عليه وآله وسلم لعمر على أصل التجمل للعيد وقصر الإنكار على من لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريرًا‏.‏ وقال الداودي‏:‏ ليس في الحديث دلالة على ذلك‏.‏ وأجاب ابن بطال بأنه كان معهودًا عندهم أن يلبس المرء أحسن ثيابه للجمعة وتبعه ابن التين والاستدلال بالتقرير أولى كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏برد حبرة‏)‏ كعنبة ضرب من برود اليمن كما في القاموس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخمص قدمه‏)‏ الأخمص بإسكان الخاء المعجمة وفتح الميم بعدها صاد مهملة باطن القدم وما رق من أسفلها‏.‏ وقيل هو ما لا تصيبه الأرض عند المشي من باطنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالركاب‏)‏ أي وهي في راحلته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنزعتها‏)‏ ذكر الضمير مؤنثًا مع أنه أعاده على السنان وهو مذكر لأنه أراد الحديدة ويحتمل أنه أراد القدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبلغ الحجاج‏)‏ أي ابن يوسف الثقفي وكان إذ ذاك أميرًا على الحجاز وذلك بعد قتل عبد اللَّه بن الزبير سنة ثلاث وسبعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاء يعوده‏)‏ في رواية للبخاري فجعل يعوده وفي رواية الإسماعيلي فأتاه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو نعلم‏)‏ لو للتمني ويحتمل أن تكون شرطية والجواب محذوف لدلالة السياق عليه ويرجح ذلك ما أخرجه ابن سعد بلفظ‏:‏ ‏(‏لو نعلم من أصابك عاقبناه‏)‏ وله من وجه آخر‏:‏ ‏(‏لو أعلم الذي أصابك لضربت عنقه‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنت أصبتني‏)‏ نسبة الفعل إلى الحجاج لكونه سببًا فيه‏.‏ وحكى الزبير في الأنساب أن عبد الملك لما كتب إلى الحجاج أن لا يخالف ابن عمر شق عليه وأمر رجلًا معه حربة يقال إنها كانت مسمومة فلصق ذلك الرجل به فأمر الحربة على قدمه فمرض منها أيامًا ثم مات وذلك في سنة أربع وسبعين وقد ساق هذه القصة في الفتح ولم يتعقبها وصدور مثلها غير بعيد من الحجاج فإنه صاحب الأفاعيل التي تبكي لها عيون الإسلام وأهله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حملت السلاح‏)‏ أي فتبعك أصحابك في حمله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في يوم لم يكن يحمل فيه‏)‏ هذا محل الدليل على كراهة حمل السلاح يوم العيد وهو مبني على أن قول الصحابي كان يفعل كذا على البناء للمجهول له حكم الرفع وفيه خلاف معروف في الأصول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الحسن نهوا أن يحملوا السلاح‏)‏ قال الحافظ‏:‏ لم أقف عليه موصولًا إلا أن ابن المنذر قد ذكر نحوه عن الحسن وفيه تقييد لإطلاق قول ابن عمر أنه لا يحمل وقد ورد مثله مرفوعًا مقيدًا وغير مقيد فروى عبد الرزاق بإسناد مرسل قال‏:‏ نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يخرج بالسلاح يوم العيد وروى ابن ماجه بإسناد ضعيف عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم نهى أن يلبس السلاح في بلاد الإسلام في العيدين إلا أن يكون بحضرة العدو‏)‏‏.‏

وهذا كله في العيدين فأما الحرم فروى مسلم عن جابر قال‏:‏ ‏(‏نهى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يحمل السلاح بمكة‏)‏ وسيأتي الجمع بينه وبين أحاديث دخوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم مكة بالسلاح في باب المحرم يتقلد بالسيف من كتاب الحج‏.‏